فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)}.
عطف على قصة {واضرب لهم مثلًا أصحاب القرية} [يس: 13] فإنه ضرب لهم مثلًا لحال إعراضهم وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما تشتمل عليه تلك الحال من إشراك وإنكار للبعث وأذى للرسول صلى الله عليه وسلم وعاقبة ذلك كله.
ثم أعقب ذلك بالتفصيل لإِبطال ما اشتملت عليه تلك الاعتقادات من إنكار البعث ومن الإِشراك بالله.
وابتدىء بدلالة تقريب البعث لمناسبة الانتقال من قوله: {وإن كُلٌّ لَما جَمِيعٌ لدينا مُحْضَرُون} [يس: 32] على أن هذه لا تخلو من دلالتها على الانفراد بالتصرف، وفي ذلك إثبات الوحدانية.
و{وءَايَةٌ} مبتدأ و{لَّهُمُ} صفة {آية} و{الأرْضُ} خبر {آية} و{المَيْتَةُ} صفة {الأرْضُ}.
وجملة {أحْيَيْناهَا} في موضع الحال من {الأرْضُ} وهي حال مقيدة لأن إحياء الأرض هو مناط الدلالة على إمكان البعث بعد الموت، أو يكون جملة {أحْيَيْناها} بيانًا لجملة {آية لهم الأرض} لبيان موقع الآية فيها، أو بدل اشتمال من جملة {آية لهم الأرض} أو استئنافًا بيانيًا كأنّ سائلًا سأل: كيف كانت الأرض الميتة؟
وموت الأرض: جفافها وجَرازتها لخلوّها من حياة النبات فيها، وإحياؤها: خروج النبات منها من العشب والكلأ والزرع.
وقرأ نافع وأبو جعفر {المَيِّتَةُ} بتشديد الياء.
وقرأ الباقون بتخفيف الياء، والمعنى واحد وهما سواء في الاستعمال.
والحبّ: اسم جمع حبّة، وهو بَزرة النبت مثل البُرّة والشعيرة.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل} في سورة البقرة (261).
وإخراج الحب من الأرض: هو إخراجه من نباتها فهو جاء منها بواسطة.
وهذا إدماج للامتنان في ضمن الاستدلال ولذلك فرّع عليه {فَمِنْهُ يأكلون}.
وتقديم {منه} على {يأكُلُونَ} للاهتمام تنبيهًا على النعمة ولرعاية الفاصلة.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)}.
هذا من إحياء الأرض بإنبات الأشجار ذات الثمار، وهو إحياء أعجب وأبقى وإن كان الإِحياء بإنبات الزرع والكلأ أوضح دلالة لأنه سريع الحصول.
وتقدم ذكر {جنات} في أول سورة الرعد (4).
وتفجير العيون تقدم عند قوله تعالى: {وإن من الحجارة لمَا يتفجر منه الأنهار في سورة البقرة} (74).
والثَّمَر بفتحتين وبضمتين: ما يغلّه النخل والأعناب من أصناف الثمر وأصناف العنب والثمرة بمنزلة الحبّ للسنبل.
وقرأ الجمهور: {ثَمَرِهِ} بفتحتين.
وقرأه حمزة والكسائي وخلف بضمتين.
والنخيل: اسم جمع نخل.
والأعناب جمع عنب، وهو يطلق على شجرة الكرم وعلى ثمرها.
وجمع النخيل والأعناب باعتبار تعدد أصناف شجره المثمر أصنافًا من ثمره.
وضمير {مِن ثَمَرِهِ} عائد إلى المذكور، أي من ثمر ما ذكرنا، كقول رُؤبة:
فيها خطوط من سواد وبلق ** كأنه في الجلد توليع البهق

فقيل له: هلا قلت: كأنها؟ فقال: أردت كأن ذلك ويْلَك.
وتقدم عند قوله تعالى: {عوان بين ذلك} في سورة البقرة (68).
ويجوز أن يعود الضمير على النخيل وتترك الأعناب للعلم بأنها مثل النخيل.
كقول الأزرق بن طرفة بن العمود القراطي الباهلي:
رماني بذنب كنتُ منه ووالدي ** بريئًا ومن أجْل الطويِّ رّماني

فلم يقل: بريئين، للعلم بأن والده مثله.
ويجوز أن تكون {ما} في قوله: {وما عَمِلَتْهُ أيدِيهم} موصولة معطوفة على {ثَمَرهِ} أي ليأكلوا من ثمر ما أخرجناه ومن ثمر ما عملته أيديهم، فيكون إدماجًا للإِرشاد إلى إقامة الجنات بالخدمة والسقي والتعهد ليكون ذلك أوفر لأغلالها.
وضمير {عَمِلَتْهُ} على هذا عائد إلى اسم الموصول.
ويجوز أن يكون {ما} نافية والضمير عائد إلى ما ذكر من الحب والنخيل والأعناب.
والمعنى: أن ذلك لم يخلقوه.
وهذا أوفر في الامتنان وأنسب بسياق الآية مساق الاستدلال.
وقرأ الجمهور: {وما عَمِلَتْهُ} بإثبات هاء الضمير عائدًا إلى المذكور من الحب والنخيل والأعناب.
وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف {وما عملت} بدون هاء، وكذلك هو مرسوم في المصحف الكوفي وهو جار على حذف المفعول إن كان معلومًا.
ويجوز أن يكون من حذف المفعول لإرادة العموم.
والتقدير: وما عملت أيديهم شيئًا من ذلك.
وكلا الحذفين شائع.
وفرع عليه استفهام الإنكار لعدم شكرهم بأن اتخذوا للذي أوجد هذا الصنع العجيب أندادًا.
وجيء بالمضارع مبالغة في إنكار كفرهم بأن الله حقيق بأن يكرروا شكره فكيف يستمرون على الإِشراك به.
{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}.
اعتراض بين جملة {وءاية لهم الأرض} [يس: 33] وجملة {وءاية لهم الليل} [يس: 37]، أثارُه ذكر إحياء الأرض وإخراج الحبّ والشجر منها فإن ذلك أحوالًا وإبداعًا عجيبًا يذكّر بتعظيم مُودِع تلك الصنائع بحكمته وذلك تضمن الاستدلال بخلق الأزواج على طريقة الإِدماج.
و{سبحان} هنا لإِنشاء تنزيه الله تعالى عن أحوال المشركين تنزيهًا عن كل ما لا يليق بإلهيته وأعظمه الإِشراك به وهو المقصود هنا.
وإجراء الموصول على الذات العلية للإِيماء إلى وجه إنشاء التنزيه والتعظيم.
وقد مضى الكلام على {سُبْحَانَ} في سورة البقرة وغيرها.
و{الأزواج} جمع زوج وهو يطلق على كل من الذكر والأنثى من الحيوان، ويطلق الزوج على معنى الصنف المتميز بخواصه من نوع الموجودات تشبيهًا له بصنف الذكر وصنف الأنثى كما في قوله تعالى: {فأخرجنا به أزواجًا من نبات شتى} وتقدم في سورة طه (53)، والإِطلاق الأول هو الكثير كما يؤخذ من كلام الراغب، وهو الذي يناسبه نقل اللفظ من الزوج الذي يكون ثانِيًا لآخرَ، فيجوز أن يحمل {للأزْواجَ} في هذه الآية على المعنى الأول فيكون تذكيرًا بخلق أصناف الحيوان الذي منه الذكر والأنثى، وتكون {مِن} في المواضع الثلاثة ابتدائية متعلقة بفعل {خَلَقَ}.
وهذا إدماج لذكر آية أخرى من آيات الانفراد بالخَلق، فخلْق الحيوان بما فيه من القوى لتناسله وحماية نوعه وإنتاج منافعه، هو أدق الخلق صنعًا وأعمقه حكمة، وأدخله في المنة على الإِنسان، بأن جعلت منافع الحيوان له كما في آية سورة المؤمنين.
فمن أجل ذلك خصّ من بين الخلق الآخر بقَرْنه بالتسبيح لخالقه تنويهًا بشأنه وتفننًا في سرد أعظم المواليد الناشئة عن إيداع قوة الحياة للأرض وانبثاق أنواع الأحياء وأصنافها منها، كما أشار إليه الابتداء بذكر {مِمَّا تُنبِتُ الأرْضُ} قبلَ غيره من مبادىء التخلق لأنه الأسبق في تكوين مواد حياة الحيوان فإنه يتولد من النطف الذكور والإِناث، وتتولد النطف من قوى الأغذية الحاصلة من تناول النبات فذلك من معنى قوله: {مما تنبت الأرض ومن أنفسهم} أي ومما يتكون فيهم من أجزائهم الحيوانية.
وجيء بضمير جماعة العقلاء تغليبًا لنوع الإِنسان نظرًا لكونه المقصود بالعبرة بهذه الآية، وللتخلص إلى تخصيصه بالعبرة في قوله: {ومِمَّا لاَ يَعْلمُونَ}.
وإشارة قوله تعالى: {ومِمَّا لاَ يَعْلمونَ} إلى أسرار مودعة في خلق أنواع الحيوان وأصنافه هي التي ميزت أنواعه عن بعض وميزت أصنافه وذكورَه عن إناثه، وأودعت فيه الروح الذي امتاز به عن النبات بتدبير شئونه على حسب استعداد كل نوع وكل صنف حتى يبلغ في الارتقاء إلى أشرف الأنواع وهو نوع الإِنسان، فمعنى {ومِمَّا لاَ يَعْلمُونَ} مما لا يعلمونه تفصيلًا وإن كانوا قد يشعرون به إجمالًا، فإن المتأمل يعلم أن في المخلوقات أسرارًا خفية لم تصل أفهامهم إلى إدراك كنهها، ومن ذلك الروح فقد قال تعالى: {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا} [الإسراء: 85].
وقد يتفاضل الناس في إدراك بعض تلك الخصائص إجمالًا وتفصيلًا ثم يستوون في عدم العلم ببعضها، وقد يمتاز بعض الطوائف أو الأجيال بمعرفة شيء من دقائق الخلق بسبب اكتشاف أو تجربة أو تقضي آثار لم يكن يعرفها غير أولئك ثم يستوون فيما بقي تحت طيّ الخفاء من دقائق التكوين، فبهذا الشعور الإجمالي بها وقع عدّها في ضمن الاعتبار بآية خلق الأزواج من جميع النواحي.
وإذا حمل {الأزواج} في قوله: {سبحان الذي خَلَقَ الأزْواجَ كُلَّهَا} على المعنى الثاني لهذا اللفظ وهو إطلاقه على الأصناف والأنواع المتمايزة كما في قوله: {فأخرجنا به أزواجًا من نبات شتى} [طه: 53] كانت من في المواضع الثلاثة بيانية، والمجرور بها في فحوى عطف البيان، أو بدل مفصل من مجمل من قوله: {الأزواج} والمعنى: الأزواج كلها التي هي: ما تنبت الأرض، وأنفسهم، وما لا يعلمون.
ويدل قوله: {ومِمَّا لاَ يَعْلمُونَ} على محذوف تقديره: وما يعلمون، وذلك من دلالة الإِشارة.
فخص بالذكر أصناف النبات لأن بها قوام معاش الناس ومعاش أنعامهم ودوابهم، وأصناف أنفس الناس لأن العبرة بها أقوى، قال تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات: 21].
ثم ذكر ما يعمّ المخلوقات مما يعلمه الناس وما لا يعلمونه في مختلف الأقطار والأجيال والعصور.
وقدم ذكر النبات إيثارًا له بالأهمية في هذا المقام لأنه أشبه بالبعث الذي أومأ إليه قوله: {وإن كُلٌّ لما جَميعٌ لدينا مُحْضَرُونَ} [يس: 32].
وتكرير حرف {مِن} بعد واو العطف للتوكيد على كلا التفسيرين.
وضمير {أنفسهم} عائد إلى {العِبَادِ} في قوله: {يا حَسْرَةً على العِباد} [يس: 30].
والمراد بهم: المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)}.
هذه مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فيها توعد لقريش إذ هذا هو المروع لهم من المثال، أي ينزل بهم من عذاب الله ما نزل بقوم حبيب النجار، فنفى عز وجل، أي أنه ما أنزل على قوم هذا الرجل {من جند من السماء} فقال مجاهد: أراد أنه لم يرسل رسولًا ولا استعتبهم، قال ابن مسعود: أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند من جنود الله تعالى كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك بل كانت صيحة واحدة لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك، قال قتادة: والله ما عاتب الله تعالى قومه بعد قتله حتى أهلكهم، واختلف المتأولون في قوله: {وما كنا منزلين} فقالت فرقة {ما كنا منزلين} {ما} نافية وهذا يجري مع التأويل الثاني في قوله، {ما أنزلنا من جند} وقالت فرقة {وما} عطف على {جند} أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم قبل ذلك، وقرأ الجمهور {إلا صيحةً} بالنصب على خبر كان، أي ما كان عذابهم إلا صحية واحدة، وقرأ أبو جعفر ومعاذ بن الحارث {إلا صيحةٌ} بالرفع، وضعفها أبو حاتم، والوجه فيها أنها ليست كان التي تطلب الاسم والخبر، وإنما التقدير ما وقعت أو حدثت إلا صحية واحدة، وقرأ ابن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود إلا زقية {وهي الصيحة} من الديك ونحوه من الطير، و{خامدون} ساكنون موتى لاطئون بالأرض شبهوا بالرماد الذي خمدت ناره وطفئت، وقوله: {يا حسرة} نداء لها على معنى هذا وقت حضورك وظهورك هذا تقدير نداء مثل هذا عند سيبويه، وهو معنى قويم في نفسه، وهو نداء منكور على هذا القراءة، قال الطبري: المعنى {يا حسرة العباد على أنفسهم} وذكر أنها في بعض القراءات كذلك، وقال ابن عباس: {يا ويلا العباد} وقرأ ابن عباس والضحاك وعلي بن الحسين ومجاهد وأبي بن كعب {يا حسرةَ العبادِ} بإضافتها، وقول ابن عباس حسن مع قراءته، وتأويل الطبري في ذلك القراءة الأولى ليس بالبين وإنما يتجه أن يكون المعنى تلهفًا على العباد، كأن الحال يقتضيه وطباع كل بشر توجب عند سماعه حالهم وعذابهم على الكفر وتضييعهم أمر الله تعالى أن يشفق ويتحسر على العبادة، وقال أبو العالية: المراد ب {العباد} الرسل الثلاثة، فكأن هذا التحسر هو من الكفار حين رأوا عذاب الله تلهفوا على ما فاتهم، وقوله تعالى: {ما يأتيهم} الآية، يدافع هذا التأويل، والحسرة التلهفات التي تترك صاحبها حسيرًا، وقرأ الأعرج بن جندب وأبو الزناد {يا حسرة} بالوقف على الهاء وذلك للحرص على بيان معنى التحسر وتقريره للنفس، والنطق بالهاء في مثل هذا أبلغ في التشفيق وهز النفس كقولهم: أوه ونحوه، وقوله: {ما يأتيهم من رسول} الآية، تمثيل لفعل قريش ثم عناهم بقوله: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون} و{كم} هنا خبرية، و{أنهم} بدل منها، والرؤية رؤية البصر، وفي قراءة ابن مسعود {أو لم يروا من أهلكنا} وقرأ جمهور القراء {أنهم} بفتح الألف، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {إنهم} بكسرها، وقرأ جمهور الناس {لما جميع} بتخفيف الميم وذلك على زيادة ما للتأكيد، والمعنى لجميع، وقرأ الحسن وابن جبير عاصم لما بشد الميم، قالوا هي منزلة منزلة {إلا} وقيل المراد: لمما حذفت الميم الواحدة وفيها ضعف، وفي حرف أبيّ و{إن منهم إلا جميع} و{محضرون} قال قتادة: محشرون يوم القيامة.
{وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)}.
{وآية} معناه علامة على الحشر وبعث الأجساد، والضمير في {لهم} يراد به كفار قريش، وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر، {الميِّتة} بكسر الياء وشدها، وقرأ أبو عمرو وعاصم {الميْتة} بسكون الياء، وإحياؤها بالمطر، وقرأ جمهور الناس {من ثَمَره} بفتح الثاء والميم، وقرأ طلحة وابن وثاب وحمزة والكسائي {من ثُمُرة} بضمهما، وقرأ الأعمش {من ثُمْره} بضم الثاء وسكون الميم، والضمير في {ثمره} قالت فرقة هو عائد على الماء الذي يتضمنه قوله: {وفجرنا فيها من العيون} لأن التقدير ماء، وقالت فرقة هو عائد على جميع ما تقدم مجملًا، كأنه قال: من ثمر ما ذكرنا، وقال أبو عبيدة: هو من باب أن يذكر الإنسان شيئين أو ثلاثة ثم يعيد الضمير على واحد ويكني عنه، كما قال الشاعر، وهو الأزرق بن طرفة بن العمرد القارضي الباهلي: الطويل:
رماني بذنب كنت منه ووالدي ** بريئًا ومن أجل الطويّ رماني

قال القاضي أبو محمد: وهذا وجه في الآية ضعيف، و{ما} في قوله تعالى: {وما عملته أيديهم} قال الطبري: هي اسم معطوف على الثمر أي يقع الأكل من الثمر ومما عملته الأيدي بالغرس والزراعة ونحوه، وقالت فرقة: هي مصدرية وقيل هي نافية، والتقدير أنهم يأكلون من ثمره وهي شيء لم تعمله أيديهم بل هي نعمة من الله عليهم، وقرأ جمهور الناس {عملته} بالهاء الضمير، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر وطلحة وعيسى {عملت} بغير ضمير، ثم نزه نفسه تعالى تنزيهًا مطلقًا في كل ما يلحد به ملحد أو يشرك مشرك، و{الأزواج} الأنواع من جميع الأشياء، وقوله تعالى: {ومما لا يعلمون} نظير قوله: {ويخلق ما لا تعلمون} [النمل: 8]. اهـ.